الصحة النفسية

هل البيدوفيليا مرض نفسي

لم يكن من السهل تقبل الحملة الإعلانية التي أطلقتها شركة بالنسياغا (Balenciaga) التي تروج لمنتجاتها في إطار تقبّل البيدوفيليا من خلال صورة لطفلة صغيرة تحمل دباً لعبة يرتدي ادوات جنسية في إشارة لاستغلال الأطفال جنسياً ومحاولة تقبّل تلك الفئة من المجتمع التي لا تستطيع الإفصاح عن نفسها حتى الآن خوفاً من القانون، وإظهار بعض الرموز التي تشير إلى فنان تشكيلي يدعم البيدوفيليا في لوحاته.

فهل تعرف ما هي البيدوفيليا وأنواعها، إليك كل ما تحتاج معرفته في السطور القادمة.

ما هي البيدوفيليا 

إذا بحثت في القاموس عن ترجمة تلك الكلمة ستجدها تتكون من شقين (بيدو) باليونانية تعني الأطفال، و(فيليا) تعني حب، أي “حب الأطفال” أو “اشتهاء الأطفال”، أمراً مزعجاً أليس كذلك؟، فهو اضطراب نفسي يصيب البالغين يتميز باشتهاء الأطفال جنسياً ومحاولة الاعتداء أو التحرش الجنسي بهم، ويُصنف ضمن قائمة اضطرابات الشذوذ الجنسية اللانمطية.

يندر إصابة النساء بالبيدوفيليا، إذ نُشرت إحدى الأبحاث العلمية التي تؤكد استغلال بعض الأطفال جنسياً من النساء بنسبة تصل إلى 6-24%، ولكن على الرغم من ذلك لم يثبت إصابتهن بالبيدوفيليا بل كانت حوادث فردية جنسية ضد الأطفال.

من هو الشخص البيدوفيلي

هو كل من يستغل الأطفال جنسياً والتحرش بهم، وهناك من ينجذب جنسياً للأطفال فقط، وهناك من ينجذب جنسياً للأطفال والكبار على حد سواء، وقد ينجذب المريض للأطفال من الذكور أو الإناث فقط، وقد ينجذب لكليهما.

غالباً ما يُصاب بها الرجال أكثر من النساء، وتسبب للطفل صدمة نفسية وجنسية طوال حياته، تلازمه وتعيقه عن ممارسة حياته الطبيعية خاصةً عندما يهدده المريض ويعنفه إذا أخبر أحداً عما حدث، قد يكون المريض من أقارب أو أصدقاء العائلة، وقد يكون شخص صاحب نفوذ مثل المدرس أو المدرب أو الرئيس في العمل.

يعتمد مفهوم البيدوفيليا على المرحلة العمرية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية فإذا كانت الضحية تبلغ من العمر 16 عاماً أو أقل، والجاني أكبر من 18 عاماً، فإنها تصنف جريمة في حق الطفل، إذ أن في بعض البلدان مثل المناطق الريفية في فرنسا أو مصر يُسمح بالزواج ممن تبلغ من العمر 16 أو 18 عاماً خاصةً إذا كانت سماتها الجسدية تتحمل الزواج.

أما بالنسبة لمرضى البيدوفيليا ففي الغالب لا يتعدى مرحلة اللمس أو الجنس الفموي الذي يُعد أكثر شيوعاً من لمس الأعضاء التناسلية للطفل أو الإيلاج، كما يعاني أغلبهم من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (antisocial personality disorder) أو الاكتئاب أو إدمان المخدرات والكحول.

في العادة لا يشعر مريض البيدوفيليا أنه مريض يحتاج للعلاج، ويفقد التعاطف والشعور بالذنب نحو الضحية، ودائماً ما يعطي مبررات لأفعاله الجنسية التي تُعد في وجهة نظره موافقة الضحية.

البيدوفيليا
البيدوفيليا

أنواع البيدوفيليا 

يوجد نوعين من البيدوفيليا، وهما:

  • البيدوفيلي السادي

يحاول الوصول إلى أقصى متعة جنسية من خلال تعذيب ضحاياه بوحشية مثل إهانتهم وإذلالهم نفسياً أو تعنيفهم جسدياً.

  • البيدوفيلي اللعوب (Playful)

يلعب مع الأطفال من أجل كسب ثقتهم و سكوتهم عما يحدث بينهم وكسب ثقة الوالدين، ونادراً ما يسبب هذا النوع صدمة نفسية للطفل.

ما هي أسباب مرض البيدوفيليا 

لا يوجد سبب واضح لمرض البيدوفيليا حتى الآن، وعلى الرغم من ذلك يوجد علاقة بين مرض البيدوفيليا وبين ما عانى منه المريض من الاستغلال الجنسي في طفولته أو إهمال الطفل دون رقابة، بل منهم من عانى في طفولته من التفكك الأسري أو عدم تفاهم والديهم وكثرة المشاحنات في المنزل.

لم يُثبت حتى الآن هل مرض وراثي أم مكتسب مما يراه من حوله من تصرفات البالغين، يعاني مرضى البيدوفيليا من الحرمان العاطفي والجنسي، لذلك يسعون إليه بطرق أخرى، إذ أُجريت إحدى الدراسات على ما يقارب 4000 رجل توائم، ولم تفسر النتائج إلا تأثير 15% من التغيرات الجينية المؤثرة في الخيالات الجنسية نحو الأطفال.

وقد يكون السبب خلل هرموني ووجود اختلافات في الفص الصدغي والفص الأمامي من المخ، ودورهما في تقليل الرغبة الجنسية، ولكن نحتاج إلى مزيد من الأبحاث العلمية لتأكيد تلك المعلومة.

كيف تعرف انك مصاب بالبيدوفيليا

يعتمد تشخيص الطبيب النفسي على عدة معايير خاصةً لا يأتي المريض طلباً للعلاج، وأهم هذه المعايير هي:

  • المعاناة من اضطراب اشتهاء الأطفال لمدة أكثر من 6 أشهر.
  • التأثير السيئ لتلك الخيالات الجنسية على ممارسة الحياة الطبيعية، وعلى العلاقات الاجتماعية مع الأسرة والأصدقاء.
  • تكرار الخيالات الجنسية حول الأطفال لمن تبلغ أعمارهم  أقل من 13 عاماً.
  • تظهر تلك الأعراض قبل مرحلة البلوغ.

وعلى الرغم من ذلك يتعرف الطبيب على مريض البيدوفيليا ضمن تحقيقات الشرطة مثل استجواب المتهم، وكاميرات المراقبة، وفحص سجل الإنترنت التي تثبت التشخيص للمريض عند البحث عن الأفلام الإباحية التي تحتوي على الأطفال.

علاج البيدوفيليا 

يُعد اضطراب الولع بالأطفال مرضاً نفسياً يخضع لعدة طرق للعلاج، وتختلف نتيجة العلاج من شخص لآخر لاعتماده على حل الأمراض التي تصاحب البيدوفيليا مثل الاكتئاب وإدمان المخدرات والكحول، ومن أهم طرق العلاج: 

  • الأدوية

قد يضيف الطبيب إلى خطة العلاج السيبروتيرون (cyproterone) الذي يثبط نشاط التستوستيرون، ويقلل الرغبة الجنسية للرجال، وقد يصف الطبيب أسيتات الميدروكسي بروجستيرون (Medroxyprogesterone acetate) أو الليبروليد (leuprolide) التي تُحقن في العضل.

تُعد أسيتات الميدروكسي بروجستيرون مادة شبيهة بهرمون الأنوثة البروجسترون التي تمنع الغدة النخامية من إرسال الإشارات العصبية للخصيتين لإنتاج التستوستيرون وتقليل الرغبة الجنسية، ويتابع الطبيب تأثير هذه الأدوية على الكبد، وكثافة العظام ومعدل هرمون التستوستيرون في الدم.

كما تلعب مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI) مثل الفلوكستين دوراً هاماً في التحكم في الرغبة الجنسية، ولكن قد تسبب ضعف الانتصاب، ويُفضل استخدام الأدوية مع العلاج النفسي للحصول على أفضل النتائج.

  • العلاج النفسي

وضع مرضى البيدوفيليا في السجن لن يحل المشكلة حتى وإن طالت مدة المكوث في السجن، فلن تتغير ميوله أو خيالاته ورغباته الجنسية نحو الأطفال، لذلك تحتاج الحكومة إلى وضع مرضى البيدوفيليا تحت إشراف الطبيب النفسي للعلاج حتى يستطيعوا مقاومة رغباتهم الجنسية نحو الأطفال خاصةً وأن أغلبية المرضى لن يأتوا للعلاج خوفاً من المساءلة القانونية، ودورنا إعادتهم إلى رشدهم وجعلهم صالحين للاحتكاك بالمجتمع من جديد، ومن أهم طرق العلاج النفسي:

  • العلاج المعرفي السلوكي

يساعد المريض على مواجهة ميوله الجنسية والتحكم فيها، ومحاولة تصحيح المبدأ الذي يخيل للمريض رغبة الطفل في المشاركة الجنسية.

  • التعاطف

يتضمن مساعدة المريض حتى يستطيع رؤية وجهة نظر الضحية، ومحاولة تفهم الضرر الذي يقع عليها مثل مشاهدة أفلام قصيرة توضح ما تعانيه الضحية من عواقب وخيمة نتيجة الاعتداء الجنسي عليهم.

علاج البيدوفيليا 
علاج البيدوفيليا 

ما الفرق بين البيدوفيليا والتحرش الجنسي بالأطفال

يوجد فرق بين اشتهاء الأطفال والتحرش الجنسي بهم، فليس كل من اشتهى الأطفال جنسياً متحرش، قد يشتهي الأطفال دون محاولة استغلال الأطفال جنسياً أو التحرش بهم، يُعد اشتهاء الأطفال مرضاً يحتاج للعلاج عندما يصبح ضغطاً نفسياً على المريض، ويدفعه لسلوكيات يرفضها المجتمع والدين، ويضر الطرف الآخر الذي لا تستطيع أخذ موافقته لأنه قاصر، لذلك فالمريض البيدوفيلي هو من يتحرش بالأطفال ويستغلهم جنسياً، ولا يكتفي بالتخيلات الجنسية بل تصدر منه سلوكيات تدعم ميوله الجنسية.

هل البيدوفيليا مرض نفسي

نعم، تُعد البيدوفيليا مرضاً نفسياً فهو ليس اختياراً يسعى له المريض بإرادته، وصُنف ضمن الأمراض النفسية منذ 1968م، ويصاحبه عدة أمراض نفسية أخرى مثل القلق والاكتئاب، والتغييرات المزاجية.

ختاماً، لا أعلم هل البيدوفيليا نتيجة للتقدم التكنولوجي وانفتاح الثقافات الأخرى على الدول العربية والإسلامية أم لا، ولكن نحمد الله على تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يأمرنا بالابتعاد عن الرذيلة.

المصادر

زر الذهاب إلى الأعلى